ملف العدد - التكنولوجيا تسلب من أبنائنا العقول!
العدد224
اللعب بالنسبة للطفل ليس حديثاً عن أداة ترفيه فحسب، لكنَّه مثل الهواء والغذاء والماء في تأثيره في حياة الطفل والكبير، فمن الألعاب يتعلَّم الطفل الكثير ويكتسب المهارات المتنوِّعة والمعارف، وقد ولَّى زمن اللعب بأواني المطبخ والمكعَّبات والدَّراجة والكرة، وتحوَّلت الأمور إلى ألعاب معقَّدة غير سهلة، ألعاب في عصر الثورة الالكترونيَّة التي طلعت علينا بالمثير والمدهش من المخترعات حتَّى شملت صناعة ألعاب الأطفال واليافعين.
* ألعاب تحمل قيماً غربية
على أنَّ هذه الألعاب الالكترونية التي اجتاحت العالم من منتصف الثمانينات من القرن الماضي لتقضي اليوم حتَّى على الكتب والصحف كما تنبأ الكاتب الأميركي (بوشمان) أصبحت سمة هذا العصر حتَّى تحوَّلت إلى وسيلة التسلية الأولى لدى الجيل منذ عشرين سنة حتَّى اليوم. وليس انتشار أكثر من 150 لعبة الكترونية في ألمانيا والنمسا والسويد وهولندا وأمريكا أمراً عادياً بريئاً بل هي تروّج للنازيّة الجديدة وتدعم فكرها وتطرّفها، وقد انتشرت بشكل رهيب وخاصَّة بين تلامذة المدارس. وتحضّ تلك الألعاب بالذات على الحقد والعنف بشكل خاص.
وإنَّ معظم الألعاب الموجودة في عالمنا العربي سواء كانت عادية أو الكترونية هي في معظمها منقولة من الغرب لبلادنا وفق مضمون قِيَميّ يتعارض مع قيم مجتمعنا ما شكَّل ويشكِّل خطراً كبيراً على أجيالنا وهويتهم وثقافتهم.
ويشهد مجتمعنا كثافة ألعاب التكنولوجيا من الأتاري والننتندو والسيغا والفيديو وجيم بوي وفاميلي جيمز وستريت فايتر وغيرها حتَّى تحول إلى شبح يطارد أبناءنا ليل نهار ويحاصر أطفالنا في كلِّ مكان، في الشوارع والنوادي وغيرها. وقد أحدثت هذه الألعاب ردود فعل متنوِّعة نفسية واجتماعية وتربويَّة وصحية غير متوقَّعة كونها هطلت علينا واجتاحت أسواقنا لتسلية الأطفال وبقصد المتعة والمنافسة مع الآخرين وتحطيم كلِّ ما يقف في وجوههم من خلال طبيعة الألعاب الإلكترونية القائمة بمعظمها على العنف والقوة والهيمنة. وقد سيطرت هذه الألعاب المستحدثة على صغارنا وشبابنا بعد أن دخلت ملايين المنازل والبيوت وأصبحت عائداتها المالية تتعدى عشرات مليارات الدولارات وسط تنافس شديد بين الشركات العملاقة في هذا المجال وهي شركة سوني ونينتاندو ومايكروسوفت.
ولن ندخل هنا في تشريح الآثار الخطيرة لكلِّ لعبة الكترونية من الألعاب المتداولة لكننا سنتحدَّث بشكل عام عن آثارها السلبية والإيجابيَّة.
* الآثار الإيجابيَّة للألعاب الالكترونيَّة
أشارت الدِّراسات إلى مجموعة من الإيجابيات الناتجة عن الألعاب الالكترونية نذكرها كما يلي:
1- تنمية قدرات الطفل العقلية باعتبار تلك الألعاب تمثِّل رياضة ذهنية تقوِّي ملكة الاستدلال عند اللاعب وتنمِّي قدرته على التركيز والتفكير العلمي السليم وعلى وضع الاحتمالات والدخول في التحديات. هذا فضلاً عن تنشيط الذاكرة وتعويد الولد على الصبر والمثابرة. ويعتقد بعضهم أنَّ الأتاري ينمي الذكاء فيما ورد القول عن أحد اللاعبين: يمكنني أن ألعب الأتاري وأنا مغمض العينين لأنِّي حفظت طريقة برمجتها.
2- تنمية القدرة على الابتكار واتِّخاذ القرار والتغلّب على المشكلات من خلال ما تحويه من معلومات عامة، وبرامج تعليمية، ما يؤدي دوراً إيجابياً لجهة تنمية قدرات الأطفال ومساعدتهم على الاندماج في عالم المعلوماتية والتكنولوجيا والمكننة الحديثة.
3- قضاء الطفل اللاعب أوقاتاً طيبة وسعيدة خلال فترة اللعب القصيرة أو الطويلة وملء وقت الفراغ وخروج الولد من حالة الملل.
* الآثار السلبيَّة للألعاب الالكترونيَّة
مما يؤسف له أنَّ الآثار السلبية هي الطاغية وخصوصاً على الصعيد الصحِّي مروراً بالصعيدين الفكري والتعليمي وانتهاءً بالاجتماعيّ.
ويمكن ذكر السلبيات على الشكل الآتي:
أ- على الصعيد الصحي:
كثيرة هي الدِّراسات التي تناولت تأثير الألعاب الالكترونية عبر الحاسوب والفيديو والهاتف وغيرها من الوسائل في صحّة الأطفال والشباب، يمكن إيراد بعض تلك الآثار على الشكل الآتي:
1- أشارت دراسة ماجستير صادرة عن الجامعة الأميركية في بيروت إلى أنَّ هذه الألعاب «تشجِّع الأطفال على إلحاق الأذى ليس فقط بالمخلوقات الغريبة (الفضائية مثلاً) بل أيضاً بالبشر»(1). وقد عدَّدت مجموعة مشاكل تنعكس على اللاعبين ومنها العداونية والانفعال السريع وانخفاض نسبة التركيز في الدراسة وأوجاع في الرأس والعينين، ونَقَلت عن بعض الاختصاصين في أمراض الروماتيزم أنهم وجدوا أنَّ الضغط والتوتر المتكررين خلال اللعب يؤدِّيان إلى أوجاع ومشاكل في المفاصل والعضلات. من جهتها تؤكد (واين كاوموتو) المتخصصة في شؤون الترفيه الالكتروني أن العنف هو الذي يحكم في ألعاب الفيديو.
2- تشير الدكتورة كلود الطرابلسي (طب أطفال) إلى أنَّ وضعية الطفل أثناء اللعب جلوساً تسبِّب له الأوجاع والتشنجات في الكتفين والرقبة والعمود الفقري إلى جانب أوجاع في العينين والرأس بسبب التركيز على الشاشة.
3- ما أكدته مجلة العلم والحياة الفرنسية نقلاً عن باحثين بريطانيين من أنَّ ألأطفال والمراهقين المولَعين بألعاب الفيديو تزيد لديهم نسبة الكولستيرول عن المتوسِّط وهم معرَّضون أكثر من غيرهم للإصابة بأمراض القلب والشرايين بسبب ابتعادهم عن الألعاب الرياضية التي تشكل عاملاً تطويرياً هاماً لأعضاء الجسد ولياقته البدنية وصحته.
4- وأشارت بعض الدِّراسات إلى حال الإرهاق النفسي التي يعانيها الطفل نتيجة الخسارة أو الربح أحياناً في تلك الألعاب.
5- في فرنسا تمَّ تحديد عشر حالات صرع مرتبطة باستعمال ألعاب الفيديو، وفي اليابان تراجع الشركات حساباتها للحد من خطورة هذه المنتجات على جيل المستقبل(2).
6- نسيان الأطفال للجوع والعطش وعدم الاهتمام بذلك أو تناول الوجبات السريعة من شوكولا وبطاطا وغيرهما لسدِّ الجوع ما ينعكس سلباً على صحة الأطفال والشباب.
7- لقد تحوَّلت هذه الألعاب إلى مثل المخدر الناعم أو التنويم المغناطيسي الذي يعجز الأطفال عن مقاومته.
ب- على الصعيد التربوي والتعليمي والعقلي
1- لوحظ إهمال الأطفال لواجباتهم المدرسيَّة خصوصاً أنَّ تلك الألعاب استنزفت أوقاتهم بشكل يومي، ما ينعكس سلباً على المستوى التعليمي بشكل كبير وهذا ما يحصل دائماً.
2- يُشير المعالج النفسي جو عاقوري إلى أنَّ الشاب الذي يدخل مشروعاً تريده الشاشة ويختار لعبته من الإطار الذي تفرضه عليه يبدأ اللعب بقصد التسلية وتأتي النتيجة حماسة جسدية وإرهاقاً فكرياً وكلَّما كبس على أزرار اللعبة ازداد توتره وتشنُّجه لذلك يكون اللعب على درجة عالية من الانتباه والغضب الشديد عند الفشل، ولكن إذا نظرنا إلى الألعاب الأخرى مثل: الشطرنج نجد أنَّها تسلي وتحرِّك الفكر وتدرِّب على التعامل مع الآخرين ومن يمارسها يشعر بأنَّه يتحكَّم باللعبة التي تتطلب منافسة العقل البشري أفضل من منافسة جهاز الكومبيوتر(3).
3- إنَّ ما تحمله تلك الألعاب من معلومات وأخلاق وتقاليد بعيدة عن أخلاقنا وعاداتنا ومغايرة لتعاليم ديننا هو خطير جداً، فنوع البرامج التعليمية ليس مثالياً ولا مقبولاً في الكثير منها لا سيما وأنها تُعلِّم الاحتكار والتنافس المادي الخطير والهيمنة والسلطة والقوة والعنف وغير ذلك.
4- يُلفت عالم الأعصاب (كارل بريبرام) إلى أنَّه مع مخزن الكومبيوتر الهائل صرنا نعتمد أقل على الذاكرة ونضع كلَّ ثقتنا في هذه العلبة السحرية. معتبراً أنّ حضارتنا غيَّرت الطريقة التي ينمو فيها العقل(4). فيما تشير الدكتور دينغمان إلى: أنَّ الأولاد اليوم يكسبون قدرات في نصف الدماغ الأيمن على حساب مهارات النصف الأيسر، والمشكلة في كون النتيجة جيلاً من الأولاد الذين قد يصابون بعجز في مهارات نصف الدماغ الأيسر، وقد يصبحون من مدمني متع الالكترونيَّات المرئيَّة السريعة الحركة وأبطال عصر المؤثِّرات الخاصة.
ج- على الصعيد الاجتماعي العام:
1- يُلاحظ أنَّ لاعبي الألعاب الالكترونيَّة لا اعتبار لديهم للزمان والمكان فمراكز اللعب مفتوحة.
2- لقد تحوَّل الطفل بفعل تلك الألعاب ومع الوقت إلى آلة لأنها مجرَّد ألعاب تعتمد على تحريك الأزرار وتركيز الذهن على هدف واحد بسيط. إنَّها ألعاب غير جماعية بمعظمها ولا تعكس روح الفريق والجماعة والتعاون، ما يحوّل الطفل بعد فترة إلى أحادي النظرة والفكر والمزاج كما أنَّها تنمي لديه روح العزلة والانطواء.
3- إنَّ الطفل يحقِّق انتصارات وهميَّة خلال اللعب، وهو بفضل تلك الألعاب المبهرة يتحوَّل إلى كائن مليء بالوهم والخيال وجنون العظمة من دون أن يكون لذلك أي واقع خارجي.
4- ابتعاد الأطفال عن أهلهم وعن الحوار معهم بل عن الإخوة والأخوات.
* دور أولياء الأمور:
في هذه العجالة يمكننا ذكر مجموعة من التوصيات للأهل الكرام وهي:
1- عليهم إيجاد البدائل باستمرار عن الألعاب الالكترونيَّة بشكل عام.
2- عليهم مراقبة أبنائهم وعدم تركهم يرتادون مراكز الألعاب الالكترونيَّة بشكل عشوائي والتعرّف إلى نوع الألعاب التي تمارَس وطبيعتها وبرامجها وفرض رقابة على ذلك.
3- التأكّد من فترة الراحة عند الأبناء بعد كلِّ ساعة من تلك الألعاب في حال كانت مقبولة وفقاً لمعايير ثقافتنا وديننا وتقاليدنا ومفاهيمنا عن الإنسان والكون والحياة والعلاقات وتحديد أو تنظيم فترات التعامل مع الكمبيوتر على أن تكون الاستراحة في الهواء الطلق قدر الإمكان مع تحريك الجسم.
4- ليس المطلوب إبعاد أبنائنا عن التكنولوجيا بل نريد لهم استخدامها بالطريقة الصحيحة التي تبقيهم مسيطرين عليها، مع الحرص على البعد عن سلبياتها وأخطارها المادية والمعنوية.
*****
الهوامش:
(1) صحيفة السفير، عدد 8892، ص9.
(2) مجلة زهرة الخليج، عدد 736، ص26.
(3) ملحق نهار الشباب، صحيفة النهار، 1995/8/22.
(4) ملحق نهار الشباب، صحيفة النهار، 1995/9/11.
إلغاء الاشتراك | تعديل بيانات الاشتراك
والله ولي التوفيق
info@baqiatollah.net hossamdefes@hotmail.com