بسم الله الرحمن الرحيم
مناسبة - الزهراء(ع) مفخرة بيت النبوّة
العدد225
حملت رسالة والدها فكانت الأسوة لكلِّ النساء. هي سيدة نساء العالمين، هي فاطمة بنت محمد(ص) سيد الخلق وخاتم الأنبياء والرسل.
لقد حفلت حياة السيدة فاطمة(عليها السلام) بالكثير من الأحداث والمواقف والعبر. وهذا غيض من فيض هذه الأحداث وبعض مما جاء عن سيرتها العطرة(عليها السلام) من الولادة وحتى الشهادة...
أبوها: النبي محمد(ص).
أمها: خديجة بنت خويلد، أوّل امرأة آمنت برسول الله(ص).
أولادها: الإمامان الحسن والحسين(عليهما السلام)، والسيدة زينب(عليها السلام)، وأم كلثوم، والمحسن.
ألقابها: الزهراء، الصدّيقة، المباركة، الطاهرة، المحدّثة، الرّاضية، أمّ أبيها.
* الولادة المباركة
ولدت السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام) في مكة، في السنة الخامسة للبعثة النبوية، يوم الجمعة في العشرين من جمادى الآخرة(1). وقد أعلنه الإمام الخميني(قدس سره يوماً للمرأة حيث قال(قدس سره): «إذا كان لا بد من يوم للمرأة، فأي يوم أسمى وأعظم من يوم مولد الزهراء(عليها السلام).. المرأة التي هي مفخرة بيت النبوة وتسطع كالشمس على جبين الإسلام العزيز؟»(2).
كانت السيدة فاطمة(عليها السلام) تشاهد الأحداث وترى أذى قريش لوالدها وظلمهم له. ولمَّا ضاقت الأمور على المسلمين في مكّة هاجر الرسول(ص) إلى يثرب، وبقيت فاطمة(عليها السلام) مع بعض نساء بني هاشم حتى أمر الرسول(ص) الإمام علياً(عليه السلام) أن يحمل الفواطم إلى المدينة، وقد كانت في الثامنة من عمرها.
* الزواج المقدّس
قضت مشيئة الله سبحانه أن يكون زواج الزهراء(عليها السلام) زواجاً سماوياً حيث أُعلن في السماء قبل أن يُعلن على الأرض(3)، رغم كثرة الصحابة الذين طمعوا بالزواج منها، فقد ورد أن الرسول(ص) لمّا سألها عن هذا الأمر، قال لها: إنّ علي بن أبي طالب قد عرفت ترائبه وفضله وإسلامه، وإنِّي قد سألت ربِّي أن يزوَّجك خير خلقه وأحبهم إليه، وقد ذكر من أمرك شيئاً، فما ترين؟
فسكتت، ولم تولّ وجهها، ولم يرَ فيه رسول الله(ص) كراهة، فقام وهو يقول: الله أكبر سكوتها إقرارها، فأتاه جبرائيل(عليه السلام)، فقال: «يا محمد، زوّجها علي بن أبي طالب، فإن الله قد رضيها له ورضيه لها»(4).
وقد أظهرت للبشريَّة جمعاء أبرز مثال للزوجة النموذج والأم القدوة، من خلال تضحياتها التربويَّة الفريدة، ففاضت على ذريتها من نبع تقواها ومحبتها، حتى ارتووا من مائها العذب الشفاف، فكانوا نور هذا الوجود، وقادة المشروع الإلهي، وأئمّة أهل الحقّ وهداة المستقبل.
* فاطمة هي فاطمة
لم تكن السيدة فاطمة(عليها السلام) امرأة عادية، بل كانت امرأة روحانية ملكوتية تجلَّت في الوجود بصورة إنسان، كيف لا، وهي ابنة أعظم نبيّ وزوجة أفضل إمام وأم للأئمة الأطهار؟ وقد أشاد النبي(ص) بعظيم منزلتها وما بلغته من موقع سامٍ ريادي في خطّ الرسالة الإسلامية، حتى قال في حقها:
«فاطمة بضعة منّي، من آذاها فقد آذاني ومن أحبها فقد أحبّني»(5).
«إنّ الله يرضى لرضاها ويغضب لغضبها»(6).
«فاطمة قلبي وروحي التي بين جنبيّ»(7).
وممّا قال في حقها الأئمة(عليهم السلام):
عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام): «إنما سُمِّيَت فاطمة لأنّ الخلق فُطموا عن معرفتها»(
.
لقد تربَّعت السيدة فاطمة(عليها السلام) على عرش مملكة الفضائل المتوارثة من قيم النبوة، فنالت الأوسمة على صدرها، ومن هذه الفضائل:
1 - الزهد
كانت(عليها السلام) راضية باليسير من العيش، غنية بنفسها، صابرة على أداء مسؤولياتها وتربية أبنائها، متمسكة بما قاله لها أبوها(ص): «يا فاطمة، إصبري على مرارة الدنيا لتفوزي بنعيم الأبد»(9).
عن الإمام الخميني(قدس سره): «امرأة ربّت في حجرة صغيرة وبيت متواضع، أشخاصاً يشعّ نورهم من بسيطة التراب إلى الجانب الآخر من عالم الأفلاك، ومن عالم الملك إلى الملكوت الأعلى. صلوات الله وسلامه على هذه الحجرة المتواضعة التي تبوّأت مركز إشعاع نور العظمة الإلهية، ودار تربية خيرة ولد آدم»(10).
2 - العبادة
رُوي عن الإمام الحسن(عليه السلام) قوله: «رأيت أمي فاطمة(عليها السلام) قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتّضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسمّيهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أماه، لمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بُنيّ الجار ثمّ الدار»(11).
وكانت تخصّص الساعات الأخيرة من نهار الجمعة للدعاء. كما كانت لا تنام الليل في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، وكانت تحرّض جميع من في بيتها على إحياء الليل بالعبادة والدعاء.
3 - الإيثار
نزل في القرآن الكريم: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً إنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً} (الإنسان:7-9).
بلغت الزهراء(عليها السلام) مرتبة عظيمة لا يرقى إليها إلا من سمت نفسه سموّ فاطمة عند وفائها بالنذر لاتِّقاء يوم عصيب، فقد آثرت على نفسها ونفس عائلتها عندما أعطت إفطارها لمسكين ويتيم وأسير، وذلك لإعلان الهدف الرسالي لعطائها.
والعنوان الآخر للإيثار هو قصة العقد (الذي أعطته فاطمة(عليها السلام) لشيخ من العرب) وعظيم بركته، فهو قد أشبع جائعاً وكسا عرياناً، وأغنى فقيراً، وأعتق عبداً، ورجع إلى ربّه(12).
* مظلومية وشهادة
سطعت السيدة فاطمة(عليها السلام) كالشمس في ظل أبيها، ولكنَّها بدأت بالأفول بعد وفاته، فما جرى عليها؟
بعد وفاة رسول الله(ص)، توالت الآلام والمصائب على السيدة الزهراء(عليها السلام)، ولمن تشتكي؟
وقفت على قبر أبيها، وقالت:
صُبّت عليّ مصائب لو أنها
صُبّت على الأيام عدنَ لياليا(13).
فبكت على أبيها بكاء الشوق والحنين وأفاضت على وجنتيها دموع الحزن والألم على أمة الإسلام، فوقعت(عليها السلام) طريحة الفراش، رهيفة الجسد، حتى توفّيت. كان ذلك في المدينة المنورة، في الثالث من جمادى الآخرة سنة 11هـ. وقد تولى أمير المؤمنين(عليه السلام) غسلها، وأعانته على غسلها أسماء بنت عميس التي قالت: «أوصتني فاطمة أن لا يغسّلها إذا ماتت إلاّ أنا وعليّ صلوات الله وسلامه عليه، فغسّلتها أنا وعليّ(عليه السلام)»(14). وقد دفنها الإمام(عليه السلام) سراً، بوصية منها خلّدت مظلوميتها على مرّ التاريخ.
****
الهوامش:
(1) بحار الأنوار، العلامة محمّد باقر المجلسي، تحقيق: محمد الباقر البهبودي، ط2، مصحّحة، 1403هـ - 1983م، الناشر: دار الوفاء، بيروت – لبنان، ج43، حديث7، ص6.
(2) مكانة المرأة في فكر الإمام الخميني(قدس سره)، مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني - الشؤون الدولية، ط1، 1417 هـ - 1996م، إيران – طهران، ص20.
(3) راجع: بحار الأنوار، م. س، ج43، حديث 4، ص93.
(4) ن. م.
(5) أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين، تحقيق وتخريج: حسن الأمين، ط1، دار التعارف للمطبوعات، بيروت – لبنان، ج1، ص307.
(6) راجع: بحار الأنوار، م. س، ج 43، ص 19.
(7) الغدير، الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني، ط4، 1397هـ - 1977م، دار الكتاب العربي، بيروت- لبنان، ج 9، ص 388.
(
راجع: بحار الأنوار، م. س، ج43، ص 56.
(9) الدرّ المنثور، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، دار الفكر، بيروت – لبنان، ج6، ص261.
(10) مكانة المرأة في فكر الإمام الخميني(قدس سره)، م. س، ص29.
(11) بحار الأنوار، م. س، ج43، حديث3، ص81 - 82.
(12) قبسات من سيرة القادة الهداة، المنظمة العالمية للحوزات والمدارس الإسلامية، ط1، 1421هـ، ج1، ص174.
(13) أعيان الشيعة، م. س، ص323.
(14) وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، مؤسسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث، ط2، 1414هـ، طباعة: مهر ـ قم، ج2، حديث 2837، ص534.
إلغاء الاشتراك | تعديل بيانات الاشتراك
والله ولي التوفيق
info@baqiatollah.net hossamdefes@hotmail.com